"وسط الحرب والحصار".. نساء في غزة يُجبرن على الحمل والإنجاب
"وسط الحرب والحصار".. نساء في غزة يُجبرن على الحمل والإنجاب
في قطاع غزة المحاصر، والذي تحكمه الحرب والمجاعة، لا تزال بعض النساء يُجبرن على الحمل والإنجاب، لا لشيء إلا لتلبية رغبة مجتمعية أو ذكورية، غير مكترثين بحقوقهن الجسدية والنفسية، فكيف يبدو الحمل عندما يُفرض على جسد هش ونفس مرهقة وسط دخان القذائف؟
جلست "سامية محمد" (اسم مستعار) في إحدى النقاط الطبية شمال غزة، وضعت يدها على بطنها المثقل بالحمل السادس، وبدأت حديثها بهمٍّ خافت قائلة: "لم أرغب بطفل آخر.. لكن زوجي لم يمنحني خيارًا، قال: إما الحمل أو الطلاق"، بحسب ما ذكرت وكالة "أنباء المرأة"، اليوم الجمعة.
كانت سامية قد أنجبت خمس أطفال، أربع فتيات وصبي واحد، واعتقدت أن عائلتها اكتملت، إلا أن إصرار زوجها على طفل جديد جعلها تدخل هذا الحمل القاسي رغم أنفها.
ومع شح الغذاء وغياب الرعاية الصحية في ظل الحصار، بدأت تشعر بأن جسدها يتآكل، "ركبتي تؤلمني، أسناني تساقطت، والجنين ينهش من صحتي دون أن أستطيع فعل شيء"، هكذا عبرت.
أشارت سامية إلى أن القطاع لا يحتوي على مكملات غذائية كافية، ولا حتى أدوية أساسية للحامل، لكنها رغم كل ذلك لا تستطيع العودة إلى بيت عائلتها بسبب خمس أطفال وغياب المحاكم ونظام النفقة، كما أن "النساء اليوم يُجبرن على الزواج هربًا من مصاريفهن، فكيف يُسمح لي بالطلاق؟"، كما تساءلت بمرارة.
الصحة النفسية تنهار
لم تكن سامية وحدها في هذا المصير، فقد خاضت "سمر عبد السلام" (اسم مستعار) تجربة مماثلة، بعد أن حملت بجنين تسبب لها بمضاعفات صحية خطيرة، لكن الزوج رفض إجهاضه، قائلاً: "انتظرته لسنوات، ولن أفرّط به الآن".
كشفت سمر أن الحروب المتكررة والإرهاق النفسي جعلتها تصل إلى قناعة أن الموت قد يكون أرحم من الاستمرار في هذا الواقع، "لم أعد أبالي إن عشت أو مت.. زوجي لا يفكر إلا في الإنجاب المتكرر، بينما أنا أعاني من الخوف، من الجوع، من القذائف".
وأضافت أن المدن المحاصرة لا تملك ما يوفره العالم لأطفاله من أبسط مقومات الحياة: "لا طعام نظيفاً، لا أمان، لا تعليم، ولا حتى دواء إذا مرض الطفل"، فسألت بأسى: "لماذا أُدخل روحًا بريئة إلى هذا الجحيم؟".
الحمل وسط الحرب قرار خطير
اعتبرت الصحفية والباحثة الاجتماعية حنان شبات، أن حالات الحمل بعد حرب 2023 ارتفعت نتيجة الضغط الاجتماعي، وليس فقط لرغبة حقيقية من النساء، مضيفة أن المجتمع يرى المرأة أداة للإنجاب وتكثير النسل رغم فقدان أدنى مقومات الحياة.
وقالت شبات: "في ظل المجاعة، ونقص الفيتامينات، واستخدام القنابل المحرّمة دوليًا مثل الفوسفور الأبيض، أصبح الحمل مخاطرة كبرى قد تؤدي لتشوهات في الأجنة أو وفاة الأم. ومع ذلك، يُجبرن على الاستمرار لأنهن ببساطة لا يُسمحن باتخاذ القرار".
وشددت على أن النساء يجب أن يكنّ "صاحبات قرار"، مضيفة أن أي جنين يهدد حياة أمه يجب أن يُعتبر خطرًا يستوجب التدخل الطبي، وأن الزوج لا يملك الحق في فرض الاستمرار بالحمل.
ورأت الباحثة أن الضغط النفسي الذي تعانيه النساء الفلسطينيات لا يقل ضراوة عن الحرب، فهو يبدأ من البيت ولا ينتهي عند المجتمع، مشيرة إلى أن بعض الزوجات يتعرضن للتهديد بالطلاق أو الزواج بثانية إن رفضن الحمل، "فيغضبن أجسادهن ويضحّين بصحتهن النفسية من أجل الحفاظ على الزواج".
ولم تأتِ هذه القصص من رفاهية، بل خرجت من رحم الجوع والقصف، من نساء فقدن القرار على أجسادهن، فالحمل في غزة لم يعد اختيارًا، بل أصبح أحيانًا وسيلة لإرضاء الآخر، أو درءًا للطلاق، أو تلبيةً لعرف اجتماعي عنصري ضد الإناث.